محمد محيسن
ليست هي المرة الأولى التي يفتضح فيها الإعلام العبري أساليب الاحتلال في إعاقة وقتل الفلسطيني بشرط ان يبقى حيا فيزيائيا، ولكنه مقتول حركيا نتيجة الإعاقة والقهر والأسر والتعذيب والخذلان وعقوق ذوي القربى..
هآرتس وغيرها من وسائل الأعلام العبرية، اعترفت وفي أكثر من مناسبة، ان الجنود الإسرائيليين، يتعمدون إطلاق الرصاص الحي على سيقان الشبان الفلسطينيين، وبالتحديد على الركبة، وذلك بعد مرحلتين، كانت إحداهما تكسير العظام على مرأى من العالم كله، والأخرى، اصطياد الاطفال من أعناقهم استجابة لموعظة رئيسة وزراء إسرائيل غولدمائير، التي أوصت بها الجنود، وهي إعدام المستقبل الفلسطيني من خلال قتل الأطفال، حتى لو كانوا يعيشون في أقصى العالم .
ما علاقة هذه المقدمة بالتطبيع ، فهذا شيء اخر، لم يفصح عنه الإعلام العبري، وتعامى عنه الإعلام العربي.. شي له صلة وثيقة بالتركيع، وما يمهد اليه من تطبيع وتطويع وتجويع.
ما يخيف ويثير التساؤل هو ان هآرتس وأخواتها قد تتولى افتضاح ما تقترفه إسرائيل من جرائم، بعد ان أصبح الإعلام العربي ينعم بهذه العطلة الطويلة مدفوعة الاجر .
يقول احد الصحفيين العرب "حين يظهر في خندق الأعداء من ينوب عنك ليدافع عن حقك: فأنت أصبحت مهددا بالنفي من التاريخ كله وليس من الجغرافيا فقط ".
ويضيف "ان لهارتس وأخواتها اسبابا لرصد ما يجري في إسرائيل، فهل هذا كل ما تبقى لنا ؟وهو ما يعترف به العدو، إما لأسباب محلية تنافسية او استخفافا بنا !
تقول الإخبار، ان هناك تسارعا في التطبيع الذي وصل حد إرسال الرسائل الغرامية بين طرفين، أحدهما قاتل للأطفال وسارق للأرض والتاريخ، وآخر لم يفهم المعادلة، الا من زاوية واحدة ،زاوية المصالح والحماية الآنية التي أثبتت جميع التجارب السابقة انها مجرد هراء.فيما باتت الشعارات التي حملتها البيانات كالصراع مع العدو الصهيوني صراع وجود لا صراع حدود فارغة ،من محتواها نتيجة لذلك التسارع ، الذي سبقه حملة ظالمة اتجاه الشعب الفلسطيني دون سبب معروف.
وعلى الرغم أن الأمم الحية ، هي التي تقاتل المحتل من اجل استعادة ارضها وكرامتها وحريتها مهما دفعت من أرواح ابنائها ودمائهم ،كما ان التاريخ لم يرحم ؤلائك الذين تواطئوا مع اعدائهم ، ولن ترحم الشعوب كل من تنازل عن حقوقها التاريخية. الا ان تلك المعادلة ضاعت ولم يبقى منها سوى صور باهتة تكاد تهوي .
المشهد العربي هذا ، توقعه الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس ،قبل 38 عام حين كتب عشية خروج الثورة الفلسطينية من بيروت عام الاجتياح، بأنه حين يرى سيدة الزيتون جريحة على الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط وبيدها عكاز، فلن يتردد بأن يناديها يا أمي، وما خشي منه ريتسوس هو هذا العقوق من الأبناء!